فصل: سنة آثنتين وأربعين وسبعمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


والسنة المذكورة

 سنة آثنتين وأربعين وسبعمائة

فيها وقعت حادثة غريبة وهي أن رجلًا بوارديًا يقال له محمد بن خلف بخط السيوفيين من القاهرة قبض عليه في يوم السبت سادس عشر رمضان وأحضر إلى محتسب القاهرة فوجد بمخزنه من فراخ الحمام والزرازير المملوحة عدة أربعة وثلاثين ألف ومائة وستة وتسعين من ذلك أفراخ حمام عدة ألف ومائة وستة وتسعين فرخًا وزرازير عدة ثلاثة وثلاثين ألف زرزور وجميعها قد نتنت وتغيرت أحوالها فأدب وشهر‏.‏

وفيها توفي الأمير علاء الدين ألطنبغا الصالحي الناصري نائب الشام مقتولًا بسجن الإسكندرية‏.‏

كان أصله من صغار مماليك المنصور قلاوون وربي عند الملك الناصر محمد بن قلاوون وتوجه معه إلى الكرك فلما عاد الملك الناصر إلى ملكه أنعم عليه بإمرة عشرة وجعله جاشنكيره ثم ولاه حاجبًا‏.‏

ثم نقله من الحجوبية إلى نيابة حلب بعد موت أرغون النائب فسار فيها سيرة مشكورة وغزا بلاد سيس حتى أخذها بالأمان وقال في ذلك العلامة زين جهادك مقبول وعامك قابل ألا في سبيل المجد ما أنت فاعل وعمر الأمير ألطنبغا المذكور في نيابته بحلب جامعًا في شرقيها ولم يكن إذ ذاك داخل سور حلب جامع تقام فيه الخطبة سوى الجامع الكبير الأموي‏.‏

وأقام بحلب حتى وقع بينه وبين تنكز نائب الشام فشكاه تنكز إلى الملك الناصر فعزله عن نيابة حلب وولاه نيابة غزة إلى أن غضب السلطان على تنكز ولاه عوضه نيابة الشام إلى أن مات الملك الناصر وتسلطن أولاده انضم ألطنبغا هذا إلى قوصون فكان ذلك سبيلًا لهلاكه وقد تقدم ذكر ذلك كله مفصلًا‏.‏

وكان أميرًا جليلًا شجاعًا مشكور السيرة ومات وقد جاوز الخمسين سنة من العمر‏.‏

وفيها توفي ملك التتار أزبك خان بن طغرلجا بن منكوتمر بن طغان بن باطو بن دوشي خان بن جنكز خان‏.‏

ومات أزبك خان بعد أن ملك نحوًا من ثلاثين سنة وكان أسلم وحسن إسلامه وحرض رعيته على الإسلام فأسلم بعضهم‏.‏

ولم يلبس أزبك خان بعد أن أسلم السراقوجات وكان يلبس حياصة من فولاذ ويقول‏:‏ لبس الذهب حرام على الرجال وكان يميل إلى دين وخير ويتردد إلى الفقراء وكان عنده عدل في رعيته وتزوج الملك الناصر محمد بابنته‏.‏

وكان أزبك شجاعًا كريمًا مليح الصورة ذا هيبة وحرمة‏.‏

ومملكته متسعة وهي من بحر قسطنطيينة إلى نهر إرتش مسيرة ثمانمائة فرسخ لكن أكثر ذلك قرى ومراع‏.‏

وولي الملك بعده ابنه جاني بك خان‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين بشتك بن عبد الله الناصري مقتولًا بسجن الإسكندرية في شهر ربيع الآخر‏.‏

وكان إقطاعه يعمل بمائتي ألف دينار في كل سنة وأنعم عليه أستاذه الملك الناصر محمد في يوم واحد بألف ألف درهم‏.‏

وكان راتبه لسماطه في كل يوم خمسين رأسًا من الغنم وفرسًا لا بد من ذلك‏.‏

وكان كثير التيه لا يحدث مباشريه إلا بترجمان‏.‏

وهو صاحب القصر ببين القصرين والحمام بالقرب من سويقة العزي والجامع عند قنطرة طقزدمر خارج القاهرة‏.‏

قال الشيخ صلاح الدين الصفدي‏:‏ وكان بشتك أهيف القامة حلو الوجه‏.‏

قربه السلطان وأدناه وكان يسميه في غيبته بالأمير وكان إقطاعه سبعة عشرة إمرة طبلخاناه أكبر من إقطاع قوصون وما يعلم قوصون بذلك‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين طاجار بن عبد الله الناصري الدوادار قتيلًا بثغر الإسكندرية‏.‏

وكان من خواص الملك الناصر محمد بن قلاوون ومن أكابر مماليكه ورقاه حتى ولاه الدوادارية وكان ممن آنضم إلى الملك المنصور أبي بكر فقبض عليه عند خلعه وقتل‏.‏

وفيها توفي الأمير سيف الدين جركتمر بن عبد الله الناصري قتيلًا‏.‏

وتوفي الأمير قوصون بن عبد الله الناصري الساقي قتيلًا بثغر الإسكندرية في شوال وقد مر من ذكره ما فيه كفاية عن تكراره ثانيًا‏.‏

وتوفي الملك الأفضل علاء الدين علي ابن الملك المؤيد عماد الدين إسماعيل ابن الملك الأفضل علي ابن الملك المظفر محمود ابن الملك المنصور محمد ابن الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه ابن الأمير نجم الدين أيوب بن شادي بن مروان الأيوبي صاحب حماة وابن صاحبها‏.‏

مات بدمشق وهو من جملة أمرائها بعد ما باشر سلطنة حماة عشرين سنة إلى أن نقله قوصون إلى إمرة الشام وولي نيابة حماة بعده الأمير طقزدمر الحموي‏.‏

وكانت وفاته في ليلة الثلاثاء حادي عشر ربيع الآخر عن ثلاثين سنة‏.‏

وتوفي الأمير شرف الدين وقيل مظفر الدين موسى بن مهنا بن عيسى بن مهنا بن مانع بن حديثة بن عصية بن فضل بن ربيعة أمير آل فضل بمدينة تدمر‏.‏

وكان من أجل ملوك العرب مات فجأة في العشر الأخير من جمادى الأولى‏.‏

وتوفي الحافظ الحجة جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف بن علي بن عبد الملك ابن أبي الزهر القضاعي الكلبي المزي الحلبي المولد‏.‏

ولد بظاهر حلب في عاشر ربيع الآخر سنة أربع وخمسين وستمائة ومات بدمشق في ثاني عشر صفر‏.‏

وكان إمام عصره أحد الحفاظ المشهورين‏.‏

سمع الكثير ورحل وكتب وصنف‏.‏

وقد ذكرنا عدة كبيرة من مشايخه وسماعاته في ترجمته في ‏"‏ المنهل الصافي ‏"‏ ونبذة كبيرة من أخباره‏.‏

ومن مصنفاته كتاب ‏"‏ تهذيب وتوفي الأمير سيف الدين تمر بن عبد الله الساقي الناصري أحد أمراء الألوف في يوم الأحد ثامن عشرين ذي الحجة‏.‏

وكان من أكابر الأمراء ومن أعيان خاصكية وتوفي القاضي برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن فخر الدين خليل بن إبراهيم الرسعني الشافعي قاضي حلب بها‏.‏

وكان فقيهًا فاضلًا ولي القضاء بحلب وغيرها وأفتى ودرس‏.‏

وتوفي الأمير علاء الدين علي ابن الأمير الكبير سيف الدين سلار في شهر ربيع الآخر‏.‏

وكان من أعيان الأمراء بالديار المصرية‏.‏

وتوفي خطيب جامع دمشق الأموي الشيخ بدر الدين محمد ابن قاضي القضاة جلال الدين محمد القزوين الشافعي‏.‏

وكان فاضلًا خطيبًا فصيحًا‏.‏

وتوفي الأمير ركن الدين بيبرس بن عبد الله الناصري السلاح دار نائب الفتوحات بآياس وغيرها‏.‏

وكان من أجل الأمراء الناصرية‏.‏

كان شجاعًا كريمًا وله المواقف المشهودة‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ست أذرع وعشر أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وتسع أصابع‏.‏

والله تعالى أعلم‏.‏

على مصر السلطان الملك الصالح عماد الدين أبو الفداء إسماعيل ابن السلطان الملك الناصر ناصر الدين محمد ابن السلطان الملك المنصور قلاوون وهو السلطان السادس عشر من ملوك الترك بالديار المصرية والرابع من بني محمد بن قلاوون‏.‏

جلس على تخت الملك في يوم الخميس ثاني عشرين المحرم سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة بعد خلع أخيه الملك الناصر أحمد باتفاق الأمراء على ذلك لما بلغهم عن حسن سيرته فإنه قيل للأمراء لما أخرج قوصون أولاد الملك الناصر إلى قوص‏:‏ كان إسماعيل هذا يصوم يومي الإثنين والخميس ويشغل أوقاته بالصلاة وقراءة القرآن مع العفة والصيانة عما يرمى به الشباب من اللهو واللعب‏.‏

فلما بلغهم ذلك آتفقوا على إقامته في الملك وسلطنوه وحلفوا له الأمراء والعساكر وحلف لهم أيضًا السلطان الملك الصالح إسماعيل المذكور ألا يؤذي أحدًا وألا يقبض على أمير بغير ذنب‏.‏

فتم أمره ولقب بالملك الصالح ودقت البشائر ونودي بزينة القاهرة ومصر‏.‏

ورسم بالإفراج عن المسجونين بثغر الإسكندرية وكتب بالإفراج أيضًا إلى الوجه القبلي والبحري وألا يترك بالسجون إلا من استحق عليه القتل‏.‏

وآستقر الأمير أرغون العلائي زوج أم الملك الصالح رأس نوبة ويكون رأس المشورة ومدبر السلطنة وكافل السلطان‏.‏

وآستقر الأمير آق سنقر السلاري نائب السلطنة بالديار المصرية‏.‏

وكتب السلطان للأمراء ببلاد الشام والنواب بآستمرارهم وأرسل إليهم الخلع على يد الأمير طقتمر الصلاحي وكتب بتقليد الأمير أيدغمش نائب حلب بنيابة الشام وآستقر عوضه في نيابة حلب الأمير طقزدمر الحموي نائب حماة‏.‏

واستقر في نيابة حماة عوضًا عن طقزدمر الأمير علم الدين سنجر الجاولي‏.‏

ثم كتب السلطان الملك الصالح إسماعيل إلى أخيه الملك الناصر أحمد بالسلام وإعلامه أن الأمراء أقاموه في السلطنة لما علموا أنه ليس له رغبة في ملك مصر وأنه يحب بلاد الكرك والشوبك ‏"‏ وهي بحكمك وملكك ‏"‏‏.‏

وسأله أن يرسل القبة والطير والغاشية والنمجاة وتوجه بالكتاب الأمير قبلاي‏.‏

وخرج الأمير بيغرا ومعه عدة من الأوجاقية لجر الخيول السلطانية من الكرك الذي كان الملك الناصر أخذهم من الإسطبل السلطاني وتوجه الجميع إلى جهة الكرك‏.‏

ثم في يوم الأربعاء ثامن عشرين المحرم قدم الأمراء المسجونون بثغر الإسكندرية إلى القاهرة وعدتهم ستة وعشرون أميرًا منهم الأمير قياتمر وطيبغا المجدي وابن طوغان جق وأسنبغا ابن البوبكري وابن سوسون وناصر الدين محمد بن المحسني والحاج أرقطاي نائب طرابلس في آخرين‏.‏

وفي يوم الخميس طلعوا إلى القلعة وقبلوا الأرض بين يدي السلطان‏.‏

ثم رسم السلطان أن يجلس أرقطاي مكان الأمير علم الدين سنجر الجاولي المنتقل إلى نيابة حماة وأن يتوجه البقية على وفي يوم السبت أول صفر قدم من غزة الأمير قماري أمير شكار والأمير أبو بكر بن أرغون النائب والأمير ملكتمر الحجازي وصحبتهم الخليفة الحاكم بأمر الله أحمد ومقدم المماليك الطواشي عنبر السحرتي والمماليك السلطانية مفارقين الملك الناصر أحمد‏.‏

وفيه خرج الأمير طقزدمر الحموي من القاهرة لنيابة حلب‏.‏

وفي يوم الإثنين ثالثه خلع على الأمير سنجر الجاولي نائب حماة خلعة السفر وخلع فيه أيضًا على الأمير مسعود بن خطير الحاجب خلعة السفر لنيابة غزة وخلع على القاضي بحر الدين محمد بن محيي الدين يحيى بن فضل الله وآستقر في كتابة السر بدمشق عوضًا عن أخيه شهاب الدين أحمد‏.‏

ورسم بسفر مماليك قوصون والأمير بشتك إلى البلاد الشامية متفرقين وكتب إلى النواب بذلك‏.‏

وفيه آستقر الأمير جنكلي بن البابا في نظر البيمارستان المنصوري ببين القصرين عوضًا عن سنجر الجاولي‏.‏

وجلس الأمير آق سنقر السلاري بدار النيابة بعدما عمرها وفتح بها شباكًا ورسم له أن يعطي الأجناد الإقطاعات من ثلاثمائة دينار إلى أربعمائة دينار ويشاور فيما فوق ذلك واستقر المكين إبراهيم بن قروينة في نظر الجيش‏.‏

وعين ابن التاج إسحاق لنظر الخاص كلاهما عوضًا عن جمال الكفاة بحكم غيبته بالكرك عند الملك الناصر أحمد‏.‏

وفيه أنعم السلطان على أخيه شعبان بإمرة طبلخاناه‏.‏

وفي يوم الإثنين رابع عشرين صفر خلع السلطان على جميع الأمراء كبيرهم وصغيرهم الخلع السنية‏.‏

وفي يوم الثلاثاء خامس عشرينه قدم القاضي علاء الدين علي بن فضل الله كاتب السر وجمال الكفاة ناظر الجيش والخاص من الكرك إلى الديار المصرية مفارقين الملك الناصر بحيلة دبرها جمال الكفاة‏.‏

وكان قد بلغه عن الناصر أنه يريد قتلهم خوفًا من حضورهم إلى مصر ونقلهم لما هو عليه من سوء السيرة فبذل جمال الكفاة ليوسف بن البصارة البازدار مالًا جزيلًا حتى مكنهم من الخروج فأقبل عليهم الأمراء والسلطان وخلع عليهم بآستمرارهم على وظائفهم‏.‏

ثم في يوم الثلاثاء ثالث عشرين ربيع الأول رسم السلطان للأمير ألطنبغا المارداني الناصري بنيابة حماة عوضًا عن الأمير سنجر الجاولي وكتب بحضور سنجر الجاولي إلى نيابة غزة عوضًا عن أمير مسعود ونقل أمير مسعود إلى إمرة طبلخاناه بدمشق‏.‏

وقدم الخبر من شطي أمير العرب بأن الملك الناصر أحمد قرر مع بعض الكركيين أنه يدخل إلى مصر ويقتل السلطان فتشوش الأمراء لذلك ووقع الاتفاق على تجريد العساكر لقتال الملك الناصر وأخذه من الكرك‏.‏

وفي يوم الخميس ثالث شهر ربيع الآخر توجهت التجريدة إلى الكرك صحبة الأمير بيغرا وهذه أول التجاريد إلى الكرك لقتال الملك الناصر أحمد‏.‏

وفي عقيب ذلك حدث للسلطان رعاف مستمر فاتهمت أمه أم السلطان الأشرف كجك خوند أردو بأنها سحرته وهجمت عليها وأوقعت الحوطة على موجودها وضربت عدة من جواريها ليعترفن عليها فلم يكن غير قليل حتى عوفي السلطان ورسم بزينة القاهرة وحملت أم السلطان إلى المشهد النفيسي قنديل ذهب زنته رطلان وسبع أواق ونصف أوقية‏.‏

ثم قدم الخبر على يد إياز الساقي بموت الأمير أيدغمش نائب الشام فجأة فوقع الاختيار على استقرار الأمير طقزدمر الحموي نائب حلب مكانه في نيابة الشام وأستقر الأمير ألطنبغا المارداني عوضًا عن طقزدمر في نيابة حلب وآستقر الأمير يلبغا اليحياوي في نيابة حماة عوضًا عن المارداني‏.‏

ثم أنعم السلطان على أرغون العلائي بإقطاع الأمير قماري بعد موته وكتب السلطان لنائب صفد وغزة بالنجدة للأمير بيغرا لحصار الملك الناصر بالكرك‏.‏

ثم قدم الخبر من أمير العرب شطي بن عبية إنه ركب مع العسكر على مدينة الكرك وقاتلوا أهل الكرك وهزموهم إلى القلعة وأن الملك الناصر أذعن وسأل أن يمهل حتى يكتب إلى السلطان ليرسل من يتسلم منه قلعة الكرك فرجعوا عنه فلم يكن غير قليل حتى استعد الملك الناصر وقاتلهم‏.‏

وفي يوم الأربعاء رابع شهر رجب كانت فتنة الأمير رمضان أخي السلطان‏.‏

وسبب ذلك أن السلطان كان أنعم عليه بتقدمة ألف فلما خرج السلطان إلى سرحة سرياقوس تأخر رمضان عنه بالقلعة وتحدث مع طائفة من المماليك في إقامته سلطانًا واتفقوا على ذلك‏.‏

فلما مرض السلطان الملك الصالح هذا واسترخى قوي أمره وشاع ذلك بين الناس وراسل تكا الخضري ومن خرج معه من الأمراء وواعد من وافقه على الركوب بقبة النصر‏.‏

فبلغ ذلك السلطان ومدبر دولته الأمير أرغون العلائي فلم يعبأ بالخبر إلى أن أهل شهر رجب جهز الأمير رمضان خيوله وهجنه بناحية بركة الحبش وواعد أصحابه على يوم الأربعاء‏.‏

فبلغ الأمير آق سنقر أمير آخور عند الغروب بما هو فيه من الحركة فندب عدة من العربان ليأتوه بخبر القوم‏.‏

فلما أتاه خبرهم سار إليهم وأخذ جميع الخيل والهجن عن آخرهم من خلف القلعة وساقهم إلى الإسطبل السلطاني وعرف السلطان والعلائي أرغون من باب السر بما فعله فطلباه إليهما فصعد بما ظفر به من أسلحة القوم‏.‏

فآتفقوا على طلب إخوة السلطان إلى عنده والاحتفاظ بهم‏.‏

فلما طلع الفجر خرج أرغون العلائي من بين يدي السلطان وطلب إخوة السلطان ووكل بهم ووكل ببيت رمضان جماعة حتى طلعت الشمس‏.‏

وصعد الأمراء الأكابر إلى القلعة باستدعاء وأعلموا بما وقع فطلبوا سيدي رمضان إليهم قآمتنع من الحضور وهم يلحون في طلبه إلى أن خرجت أمه وصاحت عليهم فعادوا عنه إلى أرغون العلائي‏.‏

فبعث أرغون بعدة من المماليك والخدام لإحضاره فخرج رمضان في عشرين مملوكًا إلى باب القلة وسأل عن النائب فقيل له إنه عند السلطان مع الأمراء فمضى إلى باب القلعة وسيوف أصحابه مصلتة وركب على خيول الأمراء ومر بمن معه إلى سوق الخيل تحت القلعة فلم يجد أحدًا من الأمراء فتوجه إلى جهة قبة النصر خارج القاهرة ووقف هناك ومعه الأمير تكا الخضري وقد آجتمع الناس عليهم‏.‏

وبلغ السلطان والأمراء خبره فأخرج السلطان محمولًا بين أربعة لما به من الاسترخاء وركب النائب وآق سنقر أمير آخور وقماري أخو بكتمر الساقي وجماعة أخر‏.‏

وأقام أكابر الأمراء عند السلطان وصفت أطلابهم تحت القلعة وضربت الكوسات حربيًا ونزلت النقباء في طلب الأجناد‏.‏

وتوجه النائب إلى قبة النصر ووقف بمن معه تجاه رمضان وقد كثر جمع رمضان من أجناد الحسينية ومن مماليك تكا والعامة وبعث النائب يخبر السلطان بذلك فمن شدة ما انزعج نهضت قوته وقام قائمًا على قدميه بعد ما كان يئس من نفسه من عظم آسترخاء أعضائه وأراد الركوب فقام الأمراء وهنوه بالعافية وقبلوا له الأرض وهونوا عليه أمر أخيه رمضان‏.‏

ولا زالوا به حتى جلس مكانه فأقام إلى بعد الظهر والنائب يراسل رمضان ويعده بالجميل ويخوفه العاقبة وهو لا يلتفت إلى قوله‏.‏

فعزم النائب على الحملة عليه هو ومن معه ودق طبله فلم يثبت العامة المجتمعة على رمضان وآنفلوا عنه وآنهزم هو وتكا الخضري في عدة من المماليك إلى البرية والأمراء في طلبه فعاد النائب إلى السلطان‏.‏

فلما كان بعد العشاء الآخرة من ليلة الخميس أحضر رمضان وتكا الخضري وقد أدركوهما بعد المغرب عند البويب ورموا تكا بالنشاب حتى ألقوه عن فرسه وقد وقف فرس رمضان من شدة السوق‏.‏

فوكل برمضان من يحفظه وأذن للأمراء بنزولهم إلى بيوتهم وطلعوا من بكرة يوم الخميس إلى الخدمة على العادة‏.‏

وجلس السلطان وطلب مماليك رمضان فأحضروا‏.‏

فأمر بحبسهم فحبسوا أيامًا ثم فرقهم السلطان على الأمراء ثم خلع السلطان على الأمراء وفرق عليهم الأموال‏.‏

وفي يوم الإثنين سادس عشره وصل قاصد الأمير بيغرا المتوجه إلى الكرك بمن معه من العساكر بعد ما حاربوا الملك الناصر أحمد بالكرك وقاتلوه قتالًا شديدًا وجرح منهم جماعة وقلت أزوادهم‏.‏

فكتب السلطان بإحضارهم إلى الديار المصرية‏.‏

وفيه خلع السلطان على طرنطاي البشمقدار بنيابة غزة عوضًا عن الأمير علم الدين سنجر الجاولي وكتب بقدوم الجاولي إلى مصر‏.‏

وفي يوم الثلاثاء رابع عشرينه وسط السلطان تكا الخضري بسوق الخيل تحت القلعة ووسط معه مملوكين من المماليك السلطانية‏.‏

وفي هذا الشهر وقف السلطان الملك الصالح صاحب الترجمة ثلثي ناحية سندبيس من القليوبية على ستة عشر خادمًا لخدمة الضريح الشريف النبوي عليه الصلاة والسلام فتمت عدة خدام الضريح الشريف النبوي بذلك أربعين قلت لله دره فيما فعل‏!‏ وعلى هذا تحسد الملوك لا على غيره‏.‏

ثم اتفق الأمراء مع السلطان على إخراج تجريدة ثانية لقتال الملك الناصر بالكرك‏.‏

فلما كان عاشر شعبان خرج الأمير بيبرس الأحمدي والأمير كوكاي في ألفي فارس تجريدة للكرك‏.‏

وكتب السلطان أيضًا بخروج تجريدة من الشام مضافًا إلى من خرج من الأمراء والعساكر من الديار المصرية وتوجه الجميع ونصبت المناجيق على الكرك وجدوا في حصارها‏.‏

وأما الملك الصالح فإنه بعد خروج التجريدة خلع على جمال الكفاة بعدما عزل وصودر بآستقراره مشير الدولة بسؤال وزير بغداد نجم الدين محمود في ذلك بعد أن أعيد إلى الوزارة ونزلًا معًا بتشاريفهما‏.‏

وفي ذي القعدة رتب السلطان دروسًا للمذاهب الأربعة بالقبة المنصورية ووقف عليهم وعلى قراء وخدام وغير ذلك ناحية دهمشا بالشرقية فاستمر ذلك وعرف بوقف الصالح‏.‏

ثم في يوم الأربعاء عاشر المحرم سنة أربع وأربعين وسبعمائة قبض السلطان على أربعة أمراء وهم الأمير آق سنقر السلاري نائب السلطنة والأمير بيغرا أمير جاندار صهر آق سنقر المذكور والأمير قراجا الحاجب وأخيه أولاجا وقيدوا ورسم بحبسهم في الإسكندرية‏.‏

وخرج الأمير بلك على البريد إلى المجردين إلى الكرك فأدركهم على السعيدية وطيب خواطرهم وأعلمهم بالقبض على الأمراء وعاد سريعا فقدم قلعة الجبل طلوع الشمس من يوم الخميس حادي عشره وبعد وصوله قبض السلطان على طيبغا الدوادار الصغير‏.‏

وكان سبب قبض السلطان على هؤلاء الأمراء أن الأمير آق سنقر كان في نيابته لا يرد قاصدًا ولا قصة ترفع إليه فقصده الناس من الأقطار وسألوه الرزق والأراضي التي أنهوا أنها لم تكن بيد أحد وكذلك نيابة القلاع والأعمال والرواتب وإقطاعات الحلقة فلم يرد أحدًا سأله شيئًا من ذلك سواء أكان ما أنهاه صحيحًا أم باطلًا فإذا قيل له‏:‏ هذا الذي سأله يحتاج أن يكشف عنه تغير وجهه وقال‏:‏ ‏"‏ ليش تقطع رزق الناس ‏"‏ وكان إذا كتب الإقطاع لأحد فحضر صاحبه من سفره أو تعافى من مرضه وسأله في إعادة إقطاعه قال له‏:‏ ‏"‏ هذا أخذ إقطاعك ونحن نعوضك ‏"‏‏.‏

ففسدت الأحوال لا سيما البلاد الشامية فكتب النواب بذلك للسلطان فكلمه السلطان فلم يرجع وقال‏:‏ كل من طلب مني شيئًا أعطيته وما أرد قلمي عن أحد بحيث إنه كان تقدم إليه القصة وهو يأكل فيترك أكله ويكتب عليها من غير أن يعلم ما فيها فأغلظ له بسبب ذلك الأمير شمس الدين آق سنقر الناصري أمير آخور واتفق مع ذلك أنه وشي به أنه مباطن مع الملك الناصر أحمد وأن كتبه تصل إليه فقرر أرغون العلائي مسكه مع السلطان فأمسك هو وحاشيته هذا ما كان من أمره‏.‏

وفي يوم الجمعة ثاني عشر المحرم من سنة أربع وأربعين المذكورة خلع السلطان على الأمير الحاج آل ملك واستقر في نيابة السلطنة عوضًا عن آق سنقر السلاري المذكور‏.‏

ثم في ثاني عشر صفر قدم الخبر بوفاة الأمير ألطنبغا المارداني الناصري نائب حلب فرسم السلطان للأمير يلبغا اليحياوي نائب حماة بآستقراره في نيابه حلب عوضه‏.‏

واستقر في نيابة حماة الأمير طقتمر الأحمدي نائب صفد وآستقر بلك الجمدار في نيابة صفد‏.‏

وتوجه الأمير أرغون شاه بتقليد يلبغا اليحياوي وتوجه الأمير ألطنبغا البرناق بتقليد نائب حماة‏.‏

وفي يوم السبت خامس عشرين صفر قدم الأمير بيبرس الأحمدي والأمير كوكاي بمن معهما من المجردين إلى الكرك فركب الأمراء إلى لقائهم وآستمر الأمير أصلم على حصار الكرك وهي التجريدة الثانية للكرك‏.‏

وعرفوا الأمراء السلطان أنه لا بد من خروج تجريدة ثالثة سريعًا تقوية لأصلم لئلا يتنفس الناصر وحتى يدوم الحصار عليه‏.‏

فعين السلطان جماعة من أعيان الأمراء وتجهزوا وخرجوا في يوم الإثنين رابع شهر ربيع الآخر وهم الأمير جنكلي بن البابا والأمير آق سنقر الناصري الأمير آخور ملكتمر السرجواني والأمير عمر بن أرغون النائب في أربعة آلاف فارس تقوية لأصلم وهذه التجريدة الثالثة إلى الكرك‏.‏

وتوجه صحبتهم عدة حجارين ونجارين ونقابين ونفطية وخرج السلطان أيضًا في يوم سفرهم إلى سرياقوس على العادة كالمودع لهم‏.‏

وفي هذه الأيام آشتد نائب السلطنة الحاج آل ملك على والي القاهرة ومصر في بيع الخمور وغيره من المحرمات وعاقب جماعة كثيرة على ذلك وكان هذا دأب النائب من يوم أخرب خزانة البنود في العام الماضي وأراق خمورها وبناها مسجدًا وحكرها للناس فعمروها دورًا‏.‏

وكان الذي يفعل في خزانة البنود من المعاصي والفسق يستحى من ذكره فعف الناس في أيام نيابة آل ملك المذكور عن كثير من المعاصي خوفًا منه‏.‏

وآستمر على ما هو عليه من تتبع الفواحش والخواطىء وغير ذلك حتى إنه نادى‏:‏ من أحضر سكرانًا واحدًا معه جرة خمر خلع عليه فقعد العامة لشربة الخمر بكل طريق وأتوه مرة بجندي قد سكر فضربه وقطع خبزه وخلع على من قبض عليه‏.‏

ووقع له أمور مع بيعة الخمر يطول الشرح في ذ كرها‏.‏

وكان يجلس في شباك النيابة طول النهار لا يمل من الحكم ولا يسأم وتروح أصحاب الوظائف ولا يبقي عنده إلا النقباء البطالة حتى لا يفوته أحد وصار له مهابة عظيمة وحرمة كفت الناس عن أشياء كثيرة حتى أعيان الأمراء حتى قال فيه بعض شعراء عصره‏:‏ آل ملك الحج غدا سعده يملأ ظهر الأرض مهما سلك فالأمرا من دونه سوقة والملك الظاهر هو الملك وفي يوم الثلاثاء سابع عشر جمادى الأولى قدم الأمير أصلم و أبو بكر بن أرغون النائب وأرنبغا من تجريدة الكرك بغير إذن وآعتذروا بضعف أبدانهم وكثرة الجراحات في أصحابهم وقلة الزاد عندهم فقبل السلطان عذرهم ورسم بسفر طقتمر الصلاحي وتمر الموساوي في عشرين مقدمًا من الحلقة وألفي فارس نجدة لمن بقي من الأمراء على حصار الكرك فساروا في سلخه‏.‏

وهذه التجريدة الرابعة بل الخامسة فإنه تكرر رواح الأمراء في تلك التجريدة مرتين‏.‏

ثم بعد مدة رسم السلطان بتجهيز الأمير علم الدين سنجر الجاولي والأمير أرقطاي والأمير قماري الأستادار وعشرين أمير طبلخاناه وثلاثين مقدم حلقة فساروا يوم الثلاثاء خامس عشر شوال في ألفي فارس إلى الكرك وهي التجريدة السادسة وتوجه معهم أيضًا عدة حجارين ونقابين ونفطية وغير ذلك‏.‏

وفي مستهل شهر رمضان فرغت عمارة السلطان الملك الصالح إسماعيل صاحب الترجمة من القاعة التي أنشأها المعروفة الآن بالدهيشة الملاصقة للدور السلطانية المطلة على الحوش وفرشت بأنواع البسط والمقاعد الزركش‏.‏

قلت‏:‏ هي الآن مجاز لأوباش الرعية لمن له حاجة عند السلطان من التركمان والأعراب والأوغاد والأتباع‏.‏

ولله در القائل‏:‏ وإذا تأملت البقاع وجدتها تشقى كما تشقى الرجال وتسعد وجلس السلطان الملك الصالح فيها وبين يديه جواريه وخدمه وحرمه وأكثر السلطان في ذلك اليوم من الخلع والعطاء وكان السلطان قد آختص ببيبغا الصالحي وأمره وخوله في النعم وزوجه بابنة الأمير أرغون العلائي مدبر مملكة السلطان وزوج أمه والبنت المذكورة أخت السلطان لأمه‏.‏

وكثر في هذه الأيام استيلاء الجواري والخدام على الدولة وعارضوا النائب في أمور كثيرة حتى صار النائب يقول لمن يسأله شيئا‏:‏ ‏"‏ روح إلى الطواشي فلان فينقضي شغلك ‏"‏‏.‏

وآستمر السلطان يكثر من الجلوس في الدهيشة بأبهة عظيمة إلى الغاية‏.‏

ثم رسم السلطان بإحضار المجردين إلى الكرك وعين عوضهم تجريدة أخرى إلى الكرك وهي التجريدة السابعة فيها الأمير بيبرس الأحمدي والأمير كوكاي وعشرون أمير طبلخاناه وستة عشر أمير عشرة وكتب بخروج عسكر أيضًا من دمشق ومعهم المنجنيق والزحافات‏.‏

وحمل إلى الأحمدي مبلغ ألفي دينار وكذلك لكوكاي ولكل أمير طبلخاناه خمسمائة دينار ولكل أمير عشرة مائتي دينار وأرسل أيضًا مع الأحمدي أربعة آلاف دينار لمن عساه ينزل إليه من قلعة الكرك طائعًا وجهز معه تشاريف كثيرة وعينت لهم الإقامات وكان الوقت شتاء فقاسوا من الأمطار مشقات كثيرة وأقاموا نحو شهرين وخرج معهم ستة آلاف رأس من البقر ونحو مائتي رأس جاموس ونحو ألفي راجل فآستعد لهم الملك الناصر وجمع الرجال وأنفق فيهم مالًا كثيرًا وفرق فيهم الأسلحة المرصدة بقلعة الكرك‏.‏

وركب المنجنيق الذي بها ووقع بينهم القتال والحصار إلى ما سيأتي ذكره‏.‏

ثم رسم السلطان بالقبض على الأمير آقبغا عبد الواحد فقبض عليه بدمشق في عدة من أمرائها وسجنوا بها لميلهم للملك الناصر أحمد‏.‏

واشتد الحصار على الملك الناصر بالكرك وضاقت عليه هو ومن معه لقلة القوت‏.‏

وتخلى عنه أهل الكرك وضجروا من طول الحصار ووعدوا الأمراء بالمساعدة عليه فحملت إليهم الخلع ومبلغ ثمانين ألف درهم‏.‏

هذا وقد استهم السلطان في أول سنة خمس وأربعين وسبعمائة بتجريدة ثامنة إلى الكرك وعين فيها الأمير منكلي بغا الفخري والأمير قماري والأمير طشتمر طلليه ولم يجد السلطان في بيت المال ما ينفقه عليهم فأخذ مالًا من تجار العجم ومن بنت الأمير بكتمر الساقي على سبيل القرض وأنفق فيهم‏.‏

وخرج المجردون في يوم الثلاثاء حادي عشر المحرم سنة خمس وأربعين وسبعمائة وهؤلاء نجدة لمن توجه قبلهم خوفًا أن يمل من كان توجه من القتال فيجد الناصر فرجًا بعودهم عنه‏.‏

وقطعت الميرة عن الملك الناصر ونفدت أمواله من كثرة نفقاته فوقع الطمع فيه‏.‏

وأخذ بالغ - وكان أجل ثقاته - في العمل عليه وكاتب الأمراء ووعدهم بأنه يسلم إليهم الكرك وسأل الأمان‏.‏

فكتب إليه من السلطان أمان وقدم إلى القاهرة ومعه مسعود وابن أبي الليث وهما أعيان مشايخ الكرك فأكرمهم السلطان وأنعم عليهم وكتب لهم مناشير بجميع ما طلبوه من الإقطاعات والأراضي وكان من جملة ما طلبه بالغ وحده نحو أربعمائة وخمسين ألف درهم في السنة وكذلك أصحابه‏.‏

ثم أعيدوا إلى الكرك بعدما حلفوا ثم ركب العسكر للحرب وخرج الكركيون فلم يكن غير ساعة حتى آنهزموا منهم إلى داخل المدينة فدخل العسكر أفواجًا واستوطنوها وجدوا في قتال أهل القلعة عدة أيام والناس تنزل إليهم منها شيئًا بعد شيء حتى لم يبق عند الملك الناصر أحمد بقلعة الكرك سوى عشرة أنفس فأقام يرمي بهم على العسكر وهو يجد في القتال ويرمي بنفسه وكان قوي الرمي شجاعًا إلى أن جرح في ثلاثة مواضع‏.‏

وتمكنت النقابة من البرج وعلقوه وأضرموا النار تحته حتى وقع‏.‏

وكان الأمير سنجر الجاولي قد بالغ أشد مبالغة في الحصار وبذل فيه مالًا كثيرًا‏.‏

ثم هجم العسكر على القلعة في يوم الإثنين ثاني عشرين صفر سنة خمس وأربعين وسبعمائة فوجدوا الناصر قد خرج من موضع وعليه زردية وقد تنكب قوسه وشهر سيفه‏.‏

فوقفوا وسلموا عليه فرد عليهم وهو متجهم وفي وجهه جرح وكتفه أيضًا يسيل دمًا‏.‏

فتقدم إليه الأمير أرقطاي والأمير قماري في آخرين وأخذوه ومضوا به إلى دهليز الموضع الذي كان به وأجلسوه وطيبوا قلبه وهو ساكت لا يجيبهم فقيدوه ووكلوا به جماعة ورتبوا له طعامًا فأقام يومه وليلته‏.‏

ومن باكر الغد يقدم إليه الطعام فلا يتناول منه شيئًا إلى أن سألوه أن يأكل فأبى أن يأكل حتى يأتوه بشاب يقال له عثمان كان يهواه فأتوه به فأكل عند ذلك‏.‏

وخرج الأمير ابن بيبغا حارس طير بالبشارة إلى السلطان الملك الصالح وعلى يده كتب الأمراء فقدم قلعة الجبل في يوم السبت ثامن عشرين صفر فدقت البشائر سبعة أيام‏.‏